الأحد، 18 يناير 2009

ريسبشنست رواية جديدة عن اكتب

هذه الرواية الصادرة عن اكتب تبع المعلم يحيي هاشم تتحدث عن الأوضاع السيئة التي نعانيها في ظل النظام الرأسمالي الحالي - الليبرالي الجديد - كما تتناول علاقة الآباء بالأبناء بطريقة جديدة، بحيث يراها الكاتب علاقة غير بريئة بالمرة يشوبها الكثير من الغموض واللبس.
الرواية ذات بناء فلسفي، تعتمد على التحليل النفسي الفرويدي الدقيق، كما تعتمد لغة عربية فصحى سهلة ومفهومة، بلا أي غموض.

وفيما يلي فصل من الرواية أرجو أن يعجبكم:

مدخلريسبشنت،هكذا يلقبونني، أصحاب المكان يقولون ريسبشنست، وأقولها ريسبسينيست، بنطق فرنسي، ولا أعلم لمَ أحرص على هذا النطق، ربما لحب الاختلاف و التميز. آدلر يقول: "إن حب التفوق والظهور راسخ في كل إنسان" ولا يسعني الا أن أصف كلامه بالسطحية لأنه لم يبين العلة!نعود إلى الريسبشنست، فهو موظف يجلس على مكتب، ويلبس في الغالب بدلة، بجانبه هاتف، وربما كمبيوتر، هو بالطبع لا يستخدمه، لكنه موجود لزوم الزينة، وتحسينا لواجهة المكان الذي يعمل فيه.وذلك الموظف عمله بسيط جدا، فهو يرد على الهاتف، يتكلم مع المتصل ويحاوره، يزوده بالمعلومات أو يضلله أو يأخذ منه، يحاول أن يجذبه بكل الطرق أو يبعده، وغير ذلك من المهام، فهو موظف استقبال، وسكرتير، وعامل إذا لزم الأمر، فلربما طلب منه رئيسه أن يقدم مشاريب للجالسين، تري هل سيرفض؟! إذا لا مانع أن يكون عاملا ايضا!وهذا أجمل ما في المهنة أنك لا تعرف لك عملا محددا، وأحيانا لا تعرف ما اذا كنت تعمل أم لا!وموظف الاستقبال دائما ما يكون روح المكان، فإذا أعلنت الشركة-مثلا-التي يعمل بها عن طلب موظفين، توافدت عليه زرافات من البشر كلُّهم يريد أن يعمل، فيكون عليه أن ينظم الجمع، وأن يدخلهم الي المقابلة بحسب مجيئهم، وعليه، أيضا، أن يتحمل نظرات الاستهجان والاحتقار التي ينظر بها إليه كل واحد من الجالسين، خاصة إذا طال الانتظار، فتجد اثنين ينظران اليك فجأة، فيتحدثان عن أنفك الطويل أو فمك المعوج أو شعرك الخشن، والحل أن تجلس ساكنا، هادئا، وأن تبادلهم احتقارا باحتقار، لكن في صمت حتي لا ينزعج رئيسك!وعليك، أيضا، أن تتحمل أسئلتهم التافهة، وكلماتهم السخيفة، فإذا قال لك واحد منهم: "هذا القميص لا يليق والبدلة" فقل: "كنت متعجلا فارتديت ما وقع في يدي" فان أصر قائلا: "لكن من المفترض أن يكون الإنسان ذا ذوق، حتي وإن كان متعجلا" فابتسم له كانك تقول أنت إنسان سخيف!وعليك، أيضا، أن تتحمل رفضهم لما يجري، وأن تعالج كل شئ بصبر، وهدوء - ولا تنسي ان تمزقك فمك بالابتسامة العريض - خاصة إذا طلب منك أحد الحاضرين أن تدخله المقابلة قبل دوره لأن غضاريف ظهره تؤلمه أو لأن أمه مريضة أو لأنه ترك عملا مهما كي ينفعنا بعبقريته، وخبرته الواسعة، واذا لم ندخله سيكون مصيرنا المحتوم أن يتركنا ويذهب!الأدهي من هذا إذا خرج أحدهم من المقابلة (interview) وقال لك غاضبا: "أف...أعوذ بالله..رئيسك هذا في غاية الغباء" أو قال أحد الجالسين: "لماذا يطيل مع النساء أكثر من الرجال،"فإن كنت محبا للمكان، طيبوبا، أليفا، فسترد على الأول "أنت لا ترقي الي ذكاء رئيسي!" وعلى الثاني "رئيسي هذا قديس،" أما إذا كنت من الصنف الثاني، أي من الكارهين، والساخطين، وأصحاب الثورات الداخلية - وهو الشائع - فسترد على الأول"أنا متأكد من هذا،" وبذلك ستكسب عطفه، وسيحبك كثيرا ،أما الثاني فسترد عليه بضحكة خبيثة مغرضة، وسيرد عليك بضحكة، ودودة، متسائلة، ولربما جاء اليك ليستفسرعن المزيد ! لذا قلت إن الريسبشنست هو روح المكان لأن التعامل يكون معه شخصيا، والناس تظن أنه مسئول عن كل ما يجري في المكان حتي عن غباء رئيسه أو أخلاقه السافلة او طباعه الشاذة!!! والناس تعامله على هذا الأساس ،فاذا حاولت أن تفهمهم أنك مجرد موظف بسيط، وأنك لست أحد أعضاء مجلس الإدارة فلن يفهموا ثم لن يفهموا،وهذه المهنة علمتني أن كل انسان له فهم خاص به، وأن اللغة كثيرا ما تكون سببا في الهدم لا التواصل، وأن طبيعة الافكار التي في رؤوسنا تختلف كلية عن طبيعة اللغة التي نتواصل بها وإلا لسهل على كل منا أن يقول ما يريد على الوجه المطلوب، وبرهنت لي على عبقرية أناتول فرانس حينما قال: "ان الناس لديهم ذخيرة عالية من الغباء والبله والسخافة،" لكن لا عليك بسخافتهم وغباءهم المهم أن تكون باردا، هادئا ،عندها سيحبك الناس، وربما تعاطفوا معك وقبلوا رأسك بحنان بالغ، وربما تجد سيدة لطيفة أخذت رقم هاتفك ،قائلة بابتسامة حارقة إلي أقصي درجة- بتعبير مورافيا-"ساتصل بك لأطمئن عليك" عندها ستشعر أنك تريد أن تخرق الارض أو تشق السماء أو تهدم المكان على رؤوس أصحابه الصدئة، وبقايا آبائنا المتوحشين تظهر وقت الفرح، والغضب الطاغي !

من أنا

القاهرة, Egypt
محرر صحفي بالأهالي غير معينن ومش هاتعين مش عارف ليه، مدرس كشكول، ولي رواية عن دار اكتب، وخريج دار العلوم.